كيف يُهدي الإنسان حياته لحجرٍ لا يسمع ولا يرى؟ quaarea.com
تفسير آيات سورة يس (71-76)
في عشق آياتكِ، يا خالق الروح، تتساقط المعاني كما يتساقط الندى على وجه الصباح، يتحدث الله في هذه السطور عن نعمة أنعم بها على الإنسان، ويذكرهم بأن الأرض التي يمشون عليها قد طوعها لهم، وأن الحيوان الذي يرعونه بطيب أيديهم هو جسر للحياة، يحمل أثقالهم ويسقي عطشهم.
"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ"
هل غابت عن أعينهم تلك النعمة المتجذرة في كل خطوة؟ أن الله صاغ هذا الكائن الهائم في السهول ليكون رفيق دربهم؟ هذا الحضور الطاهر في معادلة الحياة، أهداه لهم ليكونوا ملوكًا عليه، رغم بساطته، ليعيشوا من حليب الكرم ومن دفء المعاطف.
"وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ"
في هدوء هذا المشهد، تروي الأرض حكايات الذل من أجل الرفعة، وكيف ينحني الجبل ليعبر الإنسان بأمان. من هذه المخلوقات يصنع الإنسان سفينة الأحلام التي تجوب به الصحراء، ومن لحمها يقتات ليبقى واقفًا، متصلاً بخط الحياة.
"وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ"
كم هي المنافع التي سُكبت بين أيديهم، وكم من كأس الروح يملأونه دون اكتراث! كيف ينسى الإنسان قوس القزح الذي يعبر به في سماء وجوده؟ وهل ينسى أن شكر النعمة هو تذكرة العودة للنبع؟
"وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ"
لكن الإنسان، في غفلة عجيبة، يلجأ لظل شجرةٍ في الصحراء، معتقدًا أن الظل إله، ويطلب من الحجر أن يفتح له أبواب الخلاص. يا لهذه الروح التي تبحث عن مأوى في سرابٍ بعيد، في حين أن المأوى الحقيقي فوق أعينهم!
"لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ"
ومن الغريب أن الحجارة التي عبدوها لا تملك من أمرها شيئًا، وهم يسخرون حياتهم لخدمتها كأنها حروبهم الكبرى. لكن، من يخدم من؟ أهي الآلهة التي تخدمهم، أم هم أسرى في سجن صمتها؟
"فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ"
ويا قلب المصطفى، لا تكسر جناحك بكلماتهم، فإن لهم أحاديثًا في العلن وأسرارًا في الليل. نحن نعرف كل خفقةٍ خلف الستائر، وكل حرفٍ يُقال بين الجدران. اتركهم لأقدارهم، فهم عابرون في وديان النسيان.
هكذا تتمازج الكلمات بين حكمة الله وشجن الإنسان، لتصبح قصيدة الكون المفتوحة، حيث يكون كل حرف شاهداً على الخلق والعطاء.
click to rate